فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإسرائيليات في قصة أصحاب الكهف:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
ومن قصص الماضين التي أكثر فيها المفسرون من ذكر الإسرائيليات قصة أصحاب الكهف، فقد ذكر ابن جرير، وابن مردويه، وغيرهما الكثير من أخبارهم التي لا يدل عليها كتاب الله تعالى، ولا يتوقف فهم القرآن وتدبره عليها.
فمن ذلك: ما ذكره ابن جرير في تفسيره، عن ابن إسحاق، صاحب السيرة في قصتهم، فقد ذكر نحو ثلاث ورقات، وذكر عن وهب بن منبه، وابن عباس ومجاهد أخبارا كثيرة أخرى وكذلك ذكر السيوطي في الدر المنثور، الكثير مما ذكره المفسرون عن أصحاب الكهف، عن هويتهم، ومن كانوا؟ وفي أي زمان ومكان وجدوا؟ وأسمائهم؟ واسم كلبهم؟ وأهو قطمير أم غيره؟ وعن لونه أهو أصفر أم أحمر؟ بل روى ابن أبي حاتم من طريق سفيان، قال: رجل بالكوفة يقال له عبيد وكان لا يتهم بالكذب قال: رأيت كلب أصحاب الكهف أحمر، كأنه كساء أبنجاني، ولا أدرى كيف كان لا يتهم بالكذب، وما زعم كذب لا شك فيه، فهل بقي كلب أصحاب الكهف حتى الإسلام؟! وكذلك ذكروا أخبار غرائب في الرقيم، فمن قائل: إنه قرية، وروي ذلك عن كعب الأحبار، ومن قائل: إنه وادٍ بفلسطين، بقرب أيلة، وقيل: اسم جبل أصحاب الكهف إلى غير ذلك مع أن الظاهر أنه كما قال كثير من السلف أنه: الكتاب أو الحجر الذي دون فيه قصته وأخبارهم، أو غير ذلك، مما الله أعلم به، فهو فعيل بمعنى مفعول، أي: مرقوم، وفي الكتاب الكريم: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون}، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُوم}.
وفي هذه الأخبار: الحق والباطل، والصدق والكذب، وفيها: ما هو محتمل للصدق والكذب، ولكن فيما عندنا غنية عنه، ولا فائدة من الاشتغال بمعرفته وتفسير القرآن به، كما أسلفنا عن ابن تيمية، بل الأولى والأحسن، أن نضرب عنه صفحًا، وقد أدَّبنا الله بذلك حيث قال لنبيه بعد ذكر اختلاف أهل الكتاب في عدد أصحاب الكهف: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}.
وغالب ذلك ما أشرنا إليه وغيره متلقى عن أهل الكتاب الذين أسلموا، وحمله عنهم بعض الصحابة والتابعين لغرابته، والعجب منه.
قال العلامة ابن كثير في تفسيره:
وفي تسميتهم بهذه الأسماء، واسم كلبهم نظر في صحته والله أعلم، قال: غالب ذلك تُلُقِّيَ من أهل الكتاب، وقد قال تعالى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} أي: سهلا هينا لينا: فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة {ولا تستفت فيهم منهم أحدا}! أي: فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولون من تلقاء أنفسهم، رجما بالغيب، أي: من غير استناد إلى كلام معصوم، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية فيه، فهو المقدم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}.
الضمير في قوله: {سَيَقُولُونَ} عائد إلى المتنازعين.
روى أن السيد والعاقب وأصحابهما من أهل نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيًا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، وقال العاقب وكان نسطوريًا كانوا خمسة سادسهم كلبهم، وقال المسلمون كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، قال أكثر المفسرين هذا الأخير هو الحق ويدل عليه وجوه.
الأول: أن الواو في قوله: {وَثَامِنُهُمْ} هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالًا عن المعرفة في نحو قولك جاءني رجل ومعه آخر، ومررت بزيد وفي يده سيف، ومنه قوله تعالى: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ} [الحجر: 4] وفائدتها توكيد ثبوت الصفة للموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، فكانت هذه الواو دالة على صدق الذين قالوا إنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، وأنهم قالوا قولًا متقررًا متحققًا عن ثبات وعلم وطمأنينة نفس.
الوجه الثاني:
قالوا: إنه تعالى خص هذا الموضع بهذا الحرف الزائد وهو الواو فوجب أن تحصل به فائدة زائدة صونًا للفظ عن التعطيل، وكل من أثبت هذه الفائدة الزائدة قال المراد منها تخصيص هذا القول بالإثبات والتصحيح.
الوجه الثالث:
أنه تعالى أتبع القولين الأولين بقوله: {رَجْمًا بالغيب} وتخصيص الشيء بالوصف يدل على أن الحال في الباقي بخلافه، فوجب أن يكون المخصوص بالظن الباطل هو القولان الأولان، وأن يكون القول الثالث مخالفًا لهما في كونهما رجمًا بالظن.
والوجه الرابع:
أنه تعالى لما حكى قولهم: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} قال بعده: {قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} فاتباع القولين الأولين بكونهما رجمًا بالغيب واتباع هذا القول الثالث بقوله: {قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} يدل على أن هذا القول ممتاز عن القولين الأولين بمزيد القوة والصحة.
والوجه الخامس:
أنه تعالى قال: {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} وهذا يقتضي أنه حصل العلم بعدتهم لذلك القليل وكل من قال من المسلمين قولًا في هذا الباب قالوا إنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم فوجب أن يكون المراد من ذلك القليل هؤلاء الذين قالوا هذا القول.
كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: كانوا سبعة وأسماؤهم هذا: يمليخا، مكسلمينا، مسلثينا وهؤلاء الثلاثة كانوا أصحاب يمين الملك، وكان عن يساره: مرنوس، ودبرنوس، وسادنوس، وكان الملك يستشير هؤلاء الستة في مهماته، والسابع هو الراعي الذي وافقهم لما هربوا من ملكهم واسم كلبهم قطمير، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أنا من ذلك العدد القليل، وكان يقول: إنهم سبعة وثامنهم كلبهم.
الوجه السادس:
أنه تعالى لما قال: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} والظاهر أنه تعالى لما حكى الأقوال فقد حكى كل ما قيل من الحق والباطل لأنه يبعد أنه تعالى ذكر الأقوال الباطلة ولم يذكر ما هو الحق.
فثبت أن جملة الأقوال الحقة والباطلة ليست إلا هذه الثلاثة، ثم خص الأولين بأنهما رجم بالغيب فوجب أن يكون الحق هو هذا الثالث.
الوجه السابع:
أنه تعالى قال لرسوله؛ {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظاهرا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مّنْهُمْ أَحَدًا} فمنعه الله تعالى عن المناظرة معهم وعن استفتائهم في هذا الباب، وهذا إنما يكون لو علمه حكم هذه الواقعة، وأيضًا أنه تعالى قال: {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} ويبعد أن يحصل العلم بذلك لغير النبي ولا يحصل للنبي، فعلمنا أن العلم بهذه الواقعة حصل للنبي عليه السلام، والظاهر أنه لم يحصل ذلك العلم إلا بهذا الوحي، لأن الأصل فيما سواه العدم، وأن يكون الأمر كذلك فكان الحق هو قوله: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} واعلم أن هذه الوجوه وإن كان بعضها أضعف من بعض إلا أنه لما تقوى بعضها ببعض حصل فيه كمال وتمام، والله أعلم. بقي في الآية مباحث.
البحث الأول:
في الآية حذف والتقدير سيقولون هم ثلاثة فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه.
البحث الثاني:
خص القول الأول بسين الاستقبال، وهو قوله سيقولون، والسبب فيه أن حرف العطف يوجب دخول القولين الآخرين فيه.
البحث الثالث:
الرجم هو الرمي، والغيب ما غاب عن الإنسان فقوله: {رَجْمًا بالغيب} معناه أن يرى ما غاب عنه ولا يعرفه بالحقيقة، يقال فلان يرمي بالكلام رميًا، أي يتكلم من غير تدبر.
البحث الرابع:
ذكروا في فائدة الواو في قوله: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} وجوهًا الوجه الأول: ما ذكرنا أنه يدل على أن هذا القول أولى من سائر الأقوال.
وثانيها: أن السبعة عند العرب أصل في المبالغة في العدد قال تعالى: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] وإذا كان كذلك فإذا وصلوا إلى الثمانية ذكروا لفظًا يدل على الاستئناف، فقالوا وثمانية، فجاء هذا الكلام على هذا القانون، قالوا: ويدل عليه نظيره في ثلاث آيات، وهي قوله: {والناهون عَنِ المنكر} [التوبة: 112] لأن هذا هو العدد الثامن من الأعداد المتقدمة وقوله: {حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها} [الزمر: 73] لأن أبواب الجنة ثمانية، وأبواب النار سبعة، وقوله: {ثيبات وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5] هو العدد الثامن مما تقدم، والناس يسمون هذه الواو واو الثمانية، ومعناه ما ذكرناه، قال القفال: وهذا ليس بشيء، والدليل عليه قوله تعالى: {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر} [الحشر: 23] ولم يذكر الواو في النعت الثامن، ثم قال تعالى: {قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} وهذا هو الحق، لأن العلم بتفاصيل كائنات العالم والحوادث التي حدثت في الماضي والمستقبل لا تحصل إلا عند الله تعالى، وإلا عند من أخبره الله عنها، وقال ابن عباس أنا من أولئك القليل، قال القاضي: إن كان قد عرفه ببيان الرسول صح، وإن كان قد تعلق فيه بحرف الواو فضعيف، ويمكن أن يقال: الوجوه السبعة المذكورة وإن كانت لا تفيد الجزم إلا أنها تفيد الظن، واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه القصة أتبعه بأن نهى رسوله عن شيئين، عن المراء والاستفتاء، أما النهي عن المراء، فقوله: {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظاهرا} والمراد من المراء الظاهر أن لا يكذبهم في تعيين ذلك العدد، بل يقول: هذا التعيين لا دليل عليه، فوجب التوقف وترك القطع.
ونظيره قوله تعالى: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] وأما النهي عن الاستفتاء فقوله: {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مّنْهُمْ أَحَدًا}، وذلك لأنه لما ثبت أنه ليس عندهم علم في هذا الباب وجب المنع من استفتائهم، واعلم أن نفاة القياس تمسكوا بهذه الآية قالوا لأن قوله: {رَجْمًا بالغيب} وضع الرجم فيه موضع الظن فكأنه قيل: ظنًا بالغيب لأنهم أكثروا أن يقولوا: رجم بالظن مكان قولهم ظن، حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين، ألا ترى إلى قوله:
وما هو عنها بالحديث المرجم

أي المظنون هكذا قاله صاحب الكشاف، وذلك يدل على أن القول بالظن مذموم عند الله ثم إنه تعالى لما ذم هذه الطريقة رتب عليه من استفتاء هؤلاء الظانين، فدل ذلك على أن الفتوى بالمظنون غير جائز عند الله، وجواب مثبتي القياس عنه قد ذكرناه مرارًا.
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال المفسرون إن القوم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاثة، قال عليه السلام أجيبكم عنها غدًا ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحي خمسة عشر يومًا وفي رواية أخرى أربعين يومًا، ثم نزلت هذه الآية، اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين.